مقال ضيف : خطة التقاعد السعيد

بقلم الكاتبة : مها نور إلهي .

إذا كنتِ في الأربعين فما فوق، فاستمري في قراءة هذا المقال…أما إذا كنتِ في بداية العشرينات أو الثلاثينات، فاقرئيه أيضا واحتفظي به! و حتى لو لم تكوني موظفة، فسوف تمرين بمرحلة “التقاعد المعنوي” وعليكِ الاستعداد لها. لابد وأن فكرة التقاعد أو التقاعد المبكر قد راودتكِ بشكل أو بآخر بمجرد بلوغك سن الأربعين أو بعده بقليل، وهذا شيء طبيعي، فالأربعون تشكل مرحلة جديدة ومخيفة نوعا ما لكل امرأة.

و سواء كنتِ تفكرين في التقاعد أو لا و سواء كنتِ في بداية الأربعينات أو الخمسينات، فإن التقاعد هو واقع حتمي سيحدث عاجلا أم آجلا، وليست هذه هي المشكلة و لا القضية، بل السؤال هنا هو: ماذا أعددتِ لمرحلة التقاعد؟ هل لديكِ خطة؟ إذا لم تكن لديكِ فكرة عن خطة التقاعد، فابدئي بالإعداد لها من اليوم!

صحتك

*هناك بند أساسي في خطة التقاعد يجب أن تستعدي له منذ اليوم سواء كنتِ في الثلاثين أو الأربعين: ابدئي بالاهتمام الجاد بصحتك! أنا متاكدة أنكِ قد سمعت هذا الكلام كثيرا جدا لدرجة أنه فقد أهميته بالنسبة لكِ، لكن هذا الكلام لا نسمعه كثيرا إلا لأنه في غاية الأهمية التي يتهاون فيها معظم الناس! ولتدركي مدى أهمية صحتك، تخيلي نفسكِ وأنتِ في الأربعين/الخمسين/ الستين…كيف تريدين أن تري نفسك في تلك المرحلة القادمة التي ستشكل جزءا هاما وكبيرا من مستقبلك و حياتك؟ هل تريدين أن تري نفسكِ امرأة بعكاز؟ امرأة ثقيلة الوزن بطيئة الحركة تثقل على أبناءها ليساعدوها حتى تتنقل من مكان إلى آخر؟ هل ترين نفسك امرأة هزيلة ضعيفة، محنية الظهر تشكو طوال الوقت من آلام الظهر و المفاصل؟ طبعا لا أحد يعلم الغيب ولا أحد يستطيع أن يتحكم في ما سيحل به في المستقبل، لكننا حتما نستطيع أن نتحكم في أسلوب حياتنا اليوم واختياراتنا الغذائية. فمثلا…هل الأكل من المطاعم عادة يومية أو شبه يومية لديكِ؟ هل تأكلين أي شيء يقدم لكِ بدون أن تعلمي مكوناته؟ هل أوقات غذائك ونومك تتسم بالفوضوية والعشوائية؟ هل تقضين أغلب وقتك في الجلوس أو الاستلقاء؟ إذا كانت أغلب إجاباتكِ بـ”نعم” فالمستقبل سيكون شبيها بصورة امرأة ستينية لا تعجبكِ أبدا! ابدئي اليوم وغيري نظام حياتك و نومك وغذائك وابدئي بالمشي لو نصف ساعة ثلاث أو خمس مرات في الأسبوع…اقرئي عن الأنظمة الغذائية الصحية الغنية بالفيتامينات ومضادات الأكسدة والاستروجين النباتي وعن كيفية إدخال الرياضة في حياتك لتصبح جزءا منها!  عندها يمكنكِ أن تتخيلي نفسك امرأة خمسينية أو ستينية مليئة بالحيوية و النشاط والحركة …و هذا ممكن جدا لو بدأتِ من اليوم! لا تنسي الفحوصات السنوية و لا تنتظري حتى تتراكم عليكِ الأمراض …لا تنتظري حتى تصلي لمرحلة تصعب فيها استعادة صحتك و لياقتك! ابدئي اليوم!

عقلك و قلبك!

*قد تستغربين من هذا البند، لكن قلوبنا تشيخ وعقولنا_مثل أجسامنا_تتعرض للصدأ والخمول ومن ثم الانغلاق و التحجر!

للأسف لاحظتُ أن أغلب أمهاتنا تنتهي حياتهن بمجرد التقاعد أو بمجرد زواج الأبناء و البنات ويبدأن في الشعور بأنهن غير مرغوبات بسبب انشغال الأبناء كل بحياته وأسرته ولأنهن حققن “كل” أهدافهن، فالأبناء و البنات كبروا و استقلوا أو تزوجوا والزوج إما توفاه الله أو كبر في السن ولم يعد بحاجة لامرأة أو أصبحت عشرته مزعجة ومتعبة وخالية من الوفاق و التفاهم…..وهنا تشعر المرأة بفراغ فكري وعاطفي كبير جدا وتحاول تعويضه إما بكثرة الخروج و الزيارات و التسوق أو بخلق مشاكل مع الأقارب أو زوجات الأبناء أو أزواج البنات أو تبدأ في الدخول في حالة عزلة وسلبية أو اكتئاب وتأخذ موقف “حناخذ زماننا و زمان غيرنا؟” وهنا تكون المرأة قد حكمت على نفسها بالموت وهي لا تزال على قيد الحياة! لا أدري من “التعيس” الذي اخترع مقولة “حناخذ زماننا و زمان غيرنا” لكن ما أعرفه جيدا أن الزمن (ملك لنا) طالما أننا لا نزال أحياء…و لا يصبح الزمان زمن غيرنا إلا عندما يتوفانا الله!

ما الحل لتفادي الفراغ الفكري والعاطفي في مرحلة التقاعد؟

  • ضعي لنفسك أهداف لمرحلة التقاعد لتنشيط عقلك ولابقاء قلبك شابا…ليس ضروريا أن تكون أهداف كبيرة و عظيمة، لكن يكفي أن تكون أهداف واضحة وسهلة التحقيق. مثلا: هل كانت لديكِ هواية تحبينها و أهملتِها بسبب انشغالك بالعمل و مسؤوليات الأسرة؟ إنه الوقت لتعودي لهواياتك القديمة…خذي دورة رسم مثلا…تعلمي لغة جديدة …. حددي وقتا لمشاهدة فيلم جيد ذا قيمة و من ثم مناقشته مع صديقة، استمعي لكتاب ممتع كبديل عن القراءة التقليدية …سافري إلى مدن لم تسافري إليها من قبل…اشتركي في أعمال تطوعية مرنة…أو انشئي ناديا للقراءة أو الحوار في بيتك…الأفكار لا حصر لها خصوصا في زمن الانترنت! أيضا لا تنسي أن تختلطي بأشخاص ملهمين وإيجابيين لديهم أهداف وطموحات راقية وأخرجي من حياتك كل الأشخاص السلبيين و المحبطين، فإننا نتأثر بمن حولنا مهما كبرنا و نضجنا! المهم أن تخلقي لنفسك عالما مستقلا يحقق لكِ الإشباع الفكري و العاطفي الذي تحتاجينه.
  • كثرة انشغالنا بالعمل والأولاد قد تكون سببا كبيرا جدا في اهمالنا للجانب الروحي في حياتنا! التقاعد هو الوقت الذي تستطيعين فيه أن تعوضي ما فاتكِ في علاقتكِ مع الله سواء بالتفرغ للمزيد من قراءة القرآن أو حفظه أو حضور مجالس دينية لم يكن لديكِ الوقت لحضورها من قبل!
  • قوي علاقتك بالإنسان الذي ستمضين معه بقية حياتك….ابدئي من “أمس”! للأسف كثير من الزوجات ينظرن للزواج على أنه علاقة حقوق و واجبات و بمجرد أن يكبرن و يكبر الزوج، يبدأن في اهمال الزوج عاطفيا بحجة “أننا كبرنا على تلك الأمور!” ذلك لأنهن كن ينظرن للزواج على أنه علاقة مادية جسدية بحتة، لا كرباط روحي، عاطفي، فكري، فبمجرد انتهاء الحاجة المادية والجسدية بين الزوجين، تنتهي العلاقة بينهما حتى و ان استمر الزواج! مسكينة جدا من لم تنشيء صداقة مع زوجها في أيام الشباب! مساكين الأزواج الذين ينتهي الرباط بينهما بمجرد أن تنتهي حاجة كل منهما الجسدية/المادية للآخر! ذلك “المصرف” المتنقل الذي لا يفتأ أن يطالب بحقوقه سوف يكون رفيقكِ و ونيسك عندما ينفض المجلس…عندما ينتهي بريق المنصب والعمل وعندما ينشغل الأبناء وتنشغل الصديقات عنكِ و عندما لا تعود رجليكِ قادرة على حملكِ للذهاب للسوق! فماذا أعددتِ لكما عندما تكبران معا؟ هل ستكونان زوجين عجوزين لا يكفا عن الخصام و الجدال أم ستكونان سندا عاطفيا لبعضكما في أوقات الوحدة وانشغال الأبناء؟ هل ستتشاجران أمام أبنائكما المتزوجين وأمام أحفادكما أم ستكونان الحضن الدافيء السعيد الذي يفتح ذراعيه لاستقبال الأسر الجديدة الممتدة من حبكما و علاقتكما؟ هل ستعيشان في ملل و اكتئاب و تذمر أم ستخططان لرحلة إلى جزيرة بعيدة للاسترخاء و الرعاية و الدلال والحميمية؟ ستحتاجان بعضكما أكثر مما يمكن أن تتخيلا في فترة التقاعد! فابدءا بملء رصيدكما الإنساني من اليوم بالحب و التواصل الفكري والعاطفي، فالحب ينمو و يزدهر مع الزمن، و العكس ليس صحيحا! بل إن الحب بعد الستين_إذا تمت رعايته جيدا_يصبح أعمق و يأخذ بُعداً أكبر وأقوى من ذي قبل!

جمالك

  • طبعا الاهتمام بالجمال لا ينفصل عن الاهتمام بالصحة، فالجمال هو الصحة و الصحة هي الجمال الحقيقي! و كلما اهتممتِ بغذائك و حركتك، انعكس ذلك على بشرتك وشعرك وقوامك!
  • إن وضع المكياج و شراء العطور الغالية واقتناء المجوهرات لا يعني أنكِ مهتمة بجمالكِ فعلا، بل يعني انكِ مهتمة بمظهرك و هناك فرق! قد تعتقد بعض الشابات أن إبر البوتوكس والشد والنفخ هي العلاج السحري لمشاكل البشرة، و هي بلا شك مفيدة و مهمة لكنها لا تعالج كل شيء! هناك فرق كبير بين امرأة تستخدم حقن البوتوكس على بشرة متهالكة منهكة و بين امرأة تستخدم حقن البوتوكس أو التفخ باعتدال على بشرة صحية فيها بعض التجاعيد البسيطة بحكم السن! و تذكري أن الدهر لا يفسد البشرة و الجمال، بل العادات الغذائية السيئة والسهر و التدخين وغيره!
  • أهم ما في الموضوع أن الاهتمام بجمال البشرة لا يبدأ بعد الثلاثين أو الأربعين، بل يجب أن يبدأ قبل ذلك بكثير، فلا تنتظري أن تفقد بشرتك ليونتها و نضارتها ثم تبدئي في البحث عن حلول طبية قد لا تكون مجدية دائما!

و أخيرا…التقاعد مرحلة للراحة و الدلال و الاستمتاع بالحياة بعمق أكثر و بنظرة أكثر هدوءا و اتزانا…هي مرحلة يمكنها أن تكون جميلة جدا إذا أعددنا لها كما يجب…و أنا شخصيا متشوقة للوقت الذي سأتقاعد حتى أتفرغ تفرغاً تاماً لرياضة التأمل وللقراءة و الكتابة و للعودة للرسم و السفر لمدن لم أزرها من قبل و قائمة طويلة من الأشياء الرائعة التي يحرمني ضغط العمل ومسؤوليات البيت من فعلها اليوم! فماذا ستفعلين أنتِ عندما تتقاعدين؟  

 

نبذة عن مها نور إلهي:

محاضرة لغة انجليزية في جامعة دار الحكمة– كاتبة مقالات باللغتين العربية و الانجليزية – مؤلفة مجموعة شعرية باللغة الانجليزية بعنوان (صوت امرأة سعودية) – زوجة و أم لثلاث – من مواليد 1971م .

تابعوا مدونتها الجميلة : https://mahanoor.wordpress.com/

رأي واحد حول “مقال ضيف : خطة التقاعد السعيد

أضف تعليق