الصيام المتقطع

ضمن الهبات “الصحية” التي تعد بخسارة والوزن وتحسين الحرق، بل وربما زيادة العمر هبة الصيام المتقطع، وهي باختصار: نمط غذائي لتناول الطعام ويدور حول فترات زمنية لتناول الطعام وأخرى للصيام. هذه الفترات تختلف بحسب الطرق، فهناك طريقة  16/8: الصيام لـ 14-16 ساعة عن  تناول أي شيء فيه سعرات حرارية وقصر تناول الطعام في نافذة 8- 10 ساعات.

وهناك طريقة 5/2 : وهي تناول الطعام 5 أيام بالسعرات المعتادة، وتخفيف السعرات ليومين بحيث تتناول النساء ما لا يزيد عن 500 سعرة، والرجال عن 600 سعرة .

وهناك طريقة : كل/صم/كل، وهي مثل الطريقة السابقة تقريبا إلا أن يومي الصيام يكون الصيام تاما إلا عن الماء.

وغيرها من الطرق، ولسنا بصدد عرضها هنا، وكلها تدور حول مفهوم تناول السعرات الحرارية في فترات معينة من اليوم والصيام في فترات أخرى.

السؤال هو : ما الحقيقة في الصيام المتقطع؟

في عالم الصحة واللياقة يكون من السهل إشاعة أن الطريقة الفلانية أو النظام العلاني (صح)أو (خطأ)، أو (جيد) أو (سيء)، دون الإِشارة إلى أن بعض الطرق تناسب بعض الأشخاص، وهي نفسها لا تناسب أشخاصا آخرين، كلٌ حسب ظروفه وطبيعة خلقته. نحن بشر نميل إلى وصف الأشياء بأنها أبيض أو أسود دون الانتباه إلى درجات الرمادي بينهما. والصيام المتقطع مثال لذلك.

يروج للصيام المتقطع أنه أفضل (على الإطلاق) من تناول الطعام بالتكرارات المعتادة في اليوم خاصة وأن فكرته المجردة منطقية: حين تقصر طعامك على نافذة محددة 4-8 ساعات فلن تتمكن من تناول زيادة عن سعراتك المحددة لخسارة وزنك (مثلا  1800 سعرة) وبالتالي ستخسر وزنا. منطقي، صحيح؟

ونسمع الكثير من الثناء عليه حتى يكاد يكون الحل السحري الناجع لمشاكل خسارة الوزن، وينصح به في كل نظام، وتورد القصص تلو القصص لأناس فعل معهم الأعاجيب (وهم صادقون في ذلك)، ولكن في الوقت ذاته نجد كما هائلا من الناس يشتكون أنه لم يقدم لهم شيئا، بل في كثير من الأحيان يشعر البعض بالتوتر والانزعاج إذا ما أكل خارج نافذة الإفطار المسموح له بها (لأنه كان جائعا مثلا في ذلك اليوم، أو معزوما)، وبعضهم يعتقد أنه كلما طالت فترة الصيام كان أفضل في خسارة الوزن، وبعضهم يقرر أن السعرات الحرارية غير مهمة طالما أنه يصوم الصيام المتقطع ويأكل “طعاما صحيا”، أو يشعر بالخجل والإخفاق إذا ما قرر إيقاف الصيام المتقطع ، أو يصر على الاستمرار في الصيام المتقطع على الرغم من معرفته أنه قد يسبب عادات تتعلق باضطرابات الطعام، والداهية العظمى إذا ما اعتقد أن الصيام المتقطع مناسب للجميع، وأن أي شخص لا يمارس الصيام المتقطع (بسبب عدم مناسبته له) فإنه كسول أو لا يريد التجريب.

قبل أن أذكر بعض سلبيات الصيام المتقطع التي قد يعاني منها البعض أود التنويه إلى أنك إذا كنت ممن يناسبه هذا النظام وتجد فيه راحة، ويتفاعل معه جسمك بشكل جيد فهذا ممتاز. استمر عليه ولا تكمل قراءة باقي المقال.  أما لو كنت تشعر بالتضارب بين ما اشتُهر من فاعلية هذا النظام وما تجده من عدم تحقيق نتائج تُذكر فأكمل القراءة .

أسوأ فرضية تُفترض هنا أن السعرات الحرارية غير مهمة طالما أنك تمارس الصيام المتقطع وتأكل (أكلاً صحياً)، وهذا يقود الكثير من المتحمسين لهذا النظام إلى تناول أكبر كمية ممكنة في إطار نافذة الأكل (سواء كانت 6 ساعات أو 12 ساعة) بحجة أنهم يمتنعون عن الطعام باقي اليوم.

قد يبدأ التخريب بشكل غير متعمد وخفي: تأكل في حدود الوقت المسموح (6-12 ساعة) كل سعراتك في 2-3 وجبات مشبعة من الأكل “الصحي” وترى الوزن ينزل وتسعد لذلك وتفاخر أمام معارفك بأنك تأكل وتشبع ومع ذلك ينزل وزنك، ومع مرور الأيام ومع اعتيادك على هذا النمط تبدأ بتناول المزيد من الطعام فقط (لأنك تستطيع) وشيئا فشيئا تتناول أكبر قدر يمكنك من الطعام قبل “الصيام” ويتوقف وزنك عن النزول، بل وقد يزيد، وتكاد تجن : لماذا لا ينزل وزني على الرغم من تناولي “للطعام الصحي” الأورغانيك، وعلى الرغم من اتباعي لنظام الصيام المتقطع .

نقطة أخرى، وهي أن الجسم حينما يرى تكرر تناول الطعام في وقت محدود من اليوم (6-12 ساعة فقط) فإنه يلجأ لميكانيكية تضمن له الحصول على الطعام للبقاء على قيد الحياة، فيمنع الشعور بالشبع على الرغم من تناول وجبة كبيرة مشبعة جدا قد تحتوي على معظم سعراتك، ذلك أن الشعور بالشبع لن يخدم غرض الجسم في الاستمرار بالبقاء على قيد الحياة، فيظل يشعرك بالحاجة لتناول المزيد من الطعام وتشعر أن “نفسك مفتوحة ولا تشبع” وهذا بالتأكيد يؤدي لتناول الطعام الزائد و النهامة المفرطة، فإذا انضاف إلى إحساسك بعدم الشبع قلقك من أن الوجبة القادمة بعد الصيام ستكون بعد 12 ساعة على الأقل ، وقد تصل عند البعض إلى 20 ساعة فهذا بالتأكيد سيضيف المزيد من التوتر بخلاف الذين يعلمون أنهم سيتناولون الإفطار حالما يستيقظون من النوم.

من سلبيات الصيام المتقطع أن بعض ممارسيه يحرمون أنفسهم من حضور المناسبات الاجتماعية التي تكون في وقت الصيام، فيرفضون مشاركة عائلتهم طعام إفطار الجمعة، أو تناول إفطار متأخر مع صديق لأنه “صائم”. ولو كانت نافذة الصيام نهاراً فإن بعضهم قد يتعمد النوم في النهار  ليمضي الوقت سريعا. وحينما تصوم وتفوت على نفسك تلك الأحداث الاجتماعية تظل تخطط لوجبة المساء التي ستتناول فيها ما فاتك في النهار، احزر وقتها كم من السعرات ستتناول!  وقد يكون الأمر بالعكس، ترفض حضور المناسبات الليلية لأن موعد صيامك قد بدأ ولن تتمكن من تناول الطعام معهم.

والآن أخبرني، هل تجد هذا أمرا طبيعياً؟ حين يكون سبب حضروك لهذه الاجتماعات عدم رغبتك فيها فقط فلا بأس في ذلك، أما أن يكون الرفض بسبب “عدم قدرتك لتناول الطعام لأجل الصيام المتقطع” فهذا أمر آخر. من هنا يبدأ اضطراب الأكل، فتسوء علاقتك بالأكل وتتكون علاقة غير مريحة قائمة على التوتر والندم والشعور بالذنب.

في النهاية، الأمر يعود إليك في اتباع الصيام المتقطع من عدمه، وكما ذكرت في البداية إن كنت مرتاحا له وترى النتائج الإيجابية فاستمر، ولكن كثيرا من الناس يستمرون على نظام الصيام المتقطع دون مشاهدة الأثر لاعتقادهم بأنه الحل الفعال و/أو الوحيد لخسارة الوزن، ويظلون مخلصين للفكرة في محاولات يائسة “لعلها تنفع هذه المرة”، أو لئلا يثبتوا فشلهم في ممارسة فكرة رُوِّج لها على أنها الحل السحري لخسارة الوزن، فطالما لم يتمكنوا من الالتزام به فهم فاشلون حتما.

الحل: اعرف أن الصيام المتقطع ليس الحل الوحيد لخسارة الدهون، وإنما هو طريقة مساعدة للحد من تجاوز السعرات المحددة لهدفك، وأن الطريق الوحيد لخسارة الدهون هو تناول سعراتك المحددة براحة واسترخاء ومرونة سواء في وجبة واحدة أو 17 وجبة، في نافذة قدرها 8 ساعات أو 16 ساعة دون شعور بملل أو قلق أو تأنيب ضمير . قد تجرب عدة طرق وتفشل في بعضها، وهذا لابأس فيه، المهم أن تجد في نهاية المطاف ما يناسبك أنت.. وتذكر أنك مختلف عن غيرك ولست نسخة عن الآخرين.