كنت دائماً أعتبر نفسي عادية الملامح. كان هذا أمرا مقبولا لو توقف عند هذا الحد، ولكني كنت أتضايق من شعري الخفيف والذي زاد سوءا بعد الولادات السبع، كما أن زيادة الوزن التي حظيت بها بعد زواجي وظلت تتزايد مع كل طفل أنجبه أودت بكل امتنان قد أشعر به تجاه مظهري. كنت أحيانا أضحك مع بعض قريباتي وأقول ساخرة: أتمنى لو أمسكت بمقص الحشائش وقصصت هذه البطن المترهلة. كان ذلك حتى أصبت بالسرطان. عندما تناولت الكيماوي أخذ شعري بالتساقط كأوراق الخريف بشكل مريع، وأصاب رأسي حكة شديدة اضطرتني في نهاية الأمر إلى حلق شعري تمامًا. في الحقيقة أدى الكيماوي إلى سقوط حواجبي ورموشي كذلك فأصبح وجهي كقفاي حرفيا. كنت إذا عزمت على الخروج أضطر إلى رسم حواجبي بعناية وأضع بعض الكحل في عيناي الجرداوين وشيئاً من الماسكارا على الشعيرات الثلاث في كل جفن ثم أرتدي البنادانا السوداء التي تعطي انطباعا كاذبا بوجود شعر، وأتنهد وأقول لنفسي في خجل: الحمد لله على نعمة الشعور. لا أذكر أبداً أني حمدت الله في حياتي على نعمة حاجباي واللذين كانا يشبهان في يوم ما حاجبي إحدى الممثلات الأمريكيات المشهورات. حتى الشعر الذي كنت أشتكي منه غادرني وترك رأسي مقفرة جدباء إلى أجل مسمى. زاد وزني جداً بعد الكيماوي حتى وصلت إلى أعلى وزن بلغته في حياتي مما أدى إلى شعوري الدائم بالتعب الجسدي والنفسي فتوقفت عن النظر في المرآة. كنت أشعر بالحسرة وعرفت فعلاً النعمة التي كنت أسخطها أيام صحتي، وكان ما يخفف عن نفسي بفضل الله تعالى ميلي العام إلى البحث عن الإيجابية في كل شيء حولي، وعلمي بأن هذه الأيام ستمضي وسيرجع الربيع وستورق الأشجار وسينبت الشعر من جديد وسأسعى إلى تخفيف وزني.
هل مر عليك سيناريو شبيه بهذا؟ هل أحسست أنك أيضًا لم تكن أبداً سعيداً مغتبطًا بنفسك؟ هل تشعر أنك لا تحب جسدك؟
حسن ، يبدو أن هذا دأب الكثيرين غيرك. كثير من الناس يؤمنون بمبدأ أن السعادة تأتي عن طريق المصادر الخارجية ، كأن يظفر بوظيفة مريحة براتب ضخم، أو يرتبط بشريك حياة رائع، أو يقتني سيارة رياضية فارهة تخلب ألباب الكائدين والحساد، أو يحصل على الرشاقة المبهرة والتي تكون طريقه إلى كل نجاح، فبها تزداد ثقته بنفسه، وبها يقترن بشريك الحياة المثالي وبها سيحظى بأصدقاء رائعين الخ ، فإذا لم تحصل له كل هذه “المفرحات” عاش في نكد ونصب وهم.
ما رأيكم لو حاولنا تغيير هذه الفكرة في أذهاننا، فبدلا ًمن التسخط على هذا الجسم الجميل الذي وهبك الله تعالى ثم أفسدته بخراقتك ونهمك وجشعك في تناول الطعام وكسلك القاتل في أداء الرياضة، حاول أن تغيّر نظرتك إليه وتقبله، وقدّره بل وأحِبَّه هذا سيجعلك تشعر بمشاعر إيجابية تدفعك للاهتمام به عن طريق النظام الصحي فتشعر بمشاعر أكثر إيجابية فتحبه أكثر، وتهتم به أكثر وتدور الساقية، وبعد ذلك سيتكفل الوزن بنفسه.
المشكلة أن هذا النظام الصحي لا يؤتي أكله سريعا وإنما يحتاج للكثير من الصبر والأناة وبالتالي قد تجد صعوبة في الرضا عن نفسك سريعا، ولكن لا بأس. هناك خطوات يمكنك الوصول بها إلى هذا الهدف وتحتاج منك إلى عزيمة.
- تمرن على الثناء على نفسك : إنه من المدهش كم نتكلم عن أنفسنا بسلبية مرارًا في اليوم الواحد، وغالبا لا ننتبه إلى ذلك: “أفخاذي سمينة كأفخاذ البقر/ طبقات البطن هذه مقرفة/ ساعداي مترهلان كإلية الخروف” .هل تجرؤ على قول ذلك لأصدقائك أو لأحد أفراد عائلتك؟ لماذا إذاً تقولها لأهم الناس على الإطلاق؟ نفسك!! السلبية صارت في دم الكثيرين حتى أنهم يتنفسونها مع الهواء دون أن تضيق صدورهم بها. تمرن على إطراء نفسك. تحدث مع نفسك بصوت مرتفع فيما تراه جميلاً فيها: الحمد لله أعطاني ربي أصابع طويلة وجميلة. عيناي غامقتان وأنا أحب العيون الغامقة. قد لا أكون طويلة لكن هذا يتيح لي الفرصة أن أرتدي الكعوب العالية. سمراء؟ سمراء يا حلم الطفولة، يا منية النفس العليلة. ابحث في نفسك عن مواطن الجمال واثنِ عليها. تأكد أن الله لم يخلقك عرياً عن الجمال. تحتاج فقط إلى شيء من التعب في البحث، وشيء من التعب في تعويد نفسك على الثناء.. دع أبا الهول يتكلم!
- رحِّب بالتغيرات التي تحدث: تتمرن، تلتزم بنظام صحي ولا زال العمر يتقدم، وآثاره تظهر؛ الأيض يبطؤ، والخطوط الصغيرة الدقيقة تظهر في الوجه، والوزن يصعب نزوله عما سبق. كف عن مقارنة نفسك الحالية بتلك السابقة، وأسوأ من ذلك مقارنتها بالآخرين. أنت أنت ولست هم. تعلَّم أن تعتبر آثار السن ميدالية شرف (رغما عن زوجك المحبِط أو أصدقائك الوسيمين). أنت تزداد نضجاً وحكمة يفتقدها الشباب. هذه البطن التي لم تكن هنا قبل عشرين سنة تحكي في الحقيقة جيلا جديدا ساهمتِ في إنجابه. هذا الصلع الذي بدأ يغزو مقدمة رأسك (ولعل أوسطه وجوانبه كذلك) تحكي همًا حملتَه على عاتقك كي تعتني بأسرتك وتعيلهم. أنت بطل/ة. ومع ذلك، فإن هذا الترحيب لا ينبغي أن يثنيك عن الاهتمام بالنظام الصحي بحجة التقدم في السن، بل العكس، يدفعك إلى تقدير هذه النفس الرائعة عن طريق زيادة الاهتمام بها كما اهتمت هي بك حيناً من الدهر.
- كن كريما في إغداق الثناء على غيرك: ابحث عن الفرص لتثني فيها على الغير. هل لاحظت معي أن سمة العرب في الكلام الطيب أنهم قاحلون؟ هل للبيئة دور في ذلك؟ لا عذر لنا وقد أمرنا الله تعالى فقال: “وقولوا للناس حسنا”، وقال “وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن”. إن الثناء على الغير (بالحق ودون مبالغة) يحسن النفسية، لا نفسياتهم فحسب، بل ونفسيتك كذلك. كم هو ممتع أن تجعل غيرك سعيداً. إذا لم تجرب ذلك من قبل فجرب بالله عليك وكف عن التوقعات المسبقة! ابدأ معي وأخبرني في التعليقات كم تعجبك تدويناتي 🙂
- تسوّق من أجل جسدك الحالي: التسوق كان ولا يزال من الأمور التي ترفع هرمون السعادة فلماذا تحرم نفسك منه بحجة الوزن الزائد الذي لا زلت تريد أن تخسره؟ إذا خسرت بضع كيلوات ولا زال أمامك غيرها، فاذهب وكافئ نفسك على مجهودك الحالي واشتر بعض القطع ولا تنتظر حتى تخسر كل الوزن. امتناعك عن ذلك ليس تحفيزاً للتقدم وإنما حرمان من مكافأة تستحقها، وسيؤدي بك الحال إلى أن تظن أن جسدك الحالي لا يستحق أن تكرمه بقطع جديدة، فتنقطع عن العمل.
- قدِّر ما يقدمه جسدك لك: لم يخلق الله تعالى جسدك لتستعرض به وتتباهى به على غيرك، وإنما خلقه ليحملك ويخدمك وليأخذك في طريق الجنة. جميل أن تفخر بجسدك، والأجمل من ذلك أن تشكر له سعيه في خدمتك على الرغم من إيذائك له بتناول الطعام السيء وبترك التمرين والحركة. فكر كيف يبدو جسدك من الداخل بدلاً من التفكير كيف يبدو من الخارج. هل يمكنك أن تصعد طابقاً واحدا ًدون أن تلهث بشدة؟ طابقين؟ هل يمكنك ملاحقة أطفالك في لعبهم؟ هل يمكنك حمل أكياس المقاضي من البقالة القريبة إلى المنزل دون أن تضطر للتوقف مرارا لالتقاط أنفاسك؟ لا؟ إذن حق لجسدك أن “يفشل” هو منك لا العكس !!
- أوقف وسواس الميزان: هل لمستُ جرحاً نازفاً؟ لا عليك، هو جرح ينزف عند الأغلبية. الميزان عقدة متأصلة في نفوس من ينشد الرشاقة وللأسف أنها عقدة في غير محلها. الميزان خادع ويتأثر بتخزين السوائل في الجسم وزيادة كتلة العضلات والإمساك وأمور أخرى. فإذا ما قرأت رقماً ضايقك، دفعك ذلك إلى التوتر الذي قد يقودك بدوره إلى الانتقام من نفسك أو الأكل الانفعالي وعندها سيزيد وزنك بسبب الدهون هذه المرة. الحل؟ إذا كنت تتبع المعادلة السهلة: “احرق عدداً من السعرات أكثر مما تتناوله” فعندها جرب البدائل التالية لقياس خط سيرك:
-
- اعرف النتيجة عن طريق ملابسك التي في خزانتك.
- خذ مقاساتك باستخدام شريط المتر وقارن بينها كل أسبوعين.
- راقب كيف يؤثر النظام الصحي الذي تتبعه على مستوى طاقتك ونشاطك وسرعة تعبك.
- راقب كيف هي مشاعرك الداخلية. النظام الصحي غالبا ما يؤثر إيجاباً على ثقتك بنفسك وسعادتك.
- لا تطمح للمثاليات: أكل الإعلام عقول الناس بعارضات الأزياء النحيلات حتى غدت بناتنا (وحتى كبيراتنا) يحلمن بتقليدهن. عارضات الأزياء أولئك يزِنَّ 23% أقل من الوزن الطبيعي للنساء، أضف إلى ذلك التقنيات الكمبيوترية الرهيبة في التعديل على الصور من ناحية إخفاء التجاعيد والندوب الصغيرة و إزالة السيلوليت وآثار السن والتي تجعل من الصورة النهائية التي نراها أمر يستحيل وجوده في الحياة الحقيقية. كل ذلك يؤدي إلى أن يسخط المرء واقعه وييئس من تحسن وضعه تماماً. الحل؟ في المرة القادمة التي تنظر فيها إلى نفسك في المرآة وتتفحصها استعداداً للمقارنة فذكر نفسك وقل لها: أنت حقيقية وهم مزيفون. صدقني، لا أحد يعقد هذه المقارنات بين جسدك وأجسادهم إلا عقلك. فروِّض عقلك!
بشرني، هل ستبدأ في حب نفسك ؟
المصدر : موقع Spark People : من مقال : اجعل هذا الصيف موعدا لتقبل نفسك .
http://www.sparkpeople.com/blog/blog.asp?post=the_summer_of_selfacceptance