الحياة بعد الأربعين ..

كنت في الخامسة والعشرين من عمري حينما قابلت ابنة خالتي التي تكبرني بست عشرة سنة بعد غياب طويل، وكانت قد اتبعت حمية غذائية ورياضة مستمرة، صبغت شعرها وارتدت ثوباً جميلاً فهتفت بها: إيش الحلاوة دي يا أبلة ما شاء الله؟ فقالت لي ضاحكة: الحياة تبدأ بعد الأربعين.

في ذلك الوقت كنت بعيدة جداً عن الأربعين. أو على الأقل يُخيل إلي ذلك. وتمضي الأيام سريعة، وتبدأ الخطوط الدقيقة بالظهور على جانبي عيني، والشعيرات البيضاء تحتل مكانا في رأسي، وصار يضايقني رؤية ظل ظهري المحني قليلا على أرض الممشى، واضطراري لخلع النظارة كلما أردت أن أقرأ شيئاً عن قرب.

لسبب ما تذكرت جملة ابنة خالتي: الحياة تبدأ بعد الأربعين، فهل بدأت حياتي أم أنها قاربت على الانتهاء؟

حين ننظر إلى كبار السن في الدول الأمريكية والأوروبية نجد أن حياتهم الحقيقية تبدأ بعد الأربعين، حين يكبر الأولاد وتتحقق الإنجازات وتنضج الشخصية عندها يركن الفرد إلى الاستمتاع بالحياة، إما عن طريق تجربة أشياء جديدة لم يجربها من قبل؛ سفر، طعام جديد، مزاولة رياضات، أو عن طريق إنجازات تعيد الحيوية إلى عروقه كالأعمال التطوعية وخدمة المجتمع، وهو إن فعل ذلك فإنه يجد المجتمع الذي يشجع ويكافئ مادياً ومعنوياً على هذا التوجه فيستمر في العطاء حتى يصاب بالعجز أو الزهايمر!

أذكر أن والد امرأة أخي الهولندية كان يزاول رياضة التنس وهو في الثمانين من عمره ولم يتوقف عن ذلك إلا حين أصيب بمرض السرطان الذي توفي به، بل كان يقود دراجته حتى بعد أن أصيب بالزهايمر ويضيع أحياناً عن منزله، ونحن نعد من يحافظ على رياضة المشي فينا وهو في الخمسين شخصاً رياضياً!!

حين دخلت الأربعين كنت قد بدأت في إعداد نفسي من “العجائز” تمشيا مع المجتمع الذي يتيح للشباب كل شيء وينسى متوسطي وكبار السن، فلما أصبت بسرطان الثدي في الثالثة والأربعين أحسست أن هناك الكثير من جمال الحياة قد فاتني، لعل أعظمها: الإحساس بالإنجاز.

ما ذلك الوهم الذي عشت فيه؛ أني كبرت لمجرد أني تعديت الأربعين؟ أني صرت جدة فعليّ أن أتصرف كما تتصرف الجدات: يسيطر عليهن الضعف والوهن والصوت المرتعش. أني سأموت قريباً! ومن يدري متى سيموت!

حين أصبت بالسرطان وشارفت على الموت فعلاً ثم ردني الله تعالى إلى الحياة قررت أن أعيش الحياة.

كان أول ما قمت به هو تأليف الكتاب الذي يحكي قصتي مع المرض: الحياة الجديدة .. نعم.. كانت بداية حياة جديدة. حياة مليئة بالتطلعات لإنجاز شيء جديد كل يوم.

ألفت الكتاب أثناء المرض، غصت كثيراً في مواقع السرطان وكتبه لكي أجد ما يساعدني على تخطي المرحلة حتى تخطيتها بفضل الله، تعلمت مبادئ التصوير الاحترافي (وأنا التي كان عقلي ينغلق تلقائياً لأي كلام في التقنية)، وقمت بترجمة العديد من المقالات التي تهتم بالسرطان من المواقع الأمريكية المعتمدة، وعدت إلى مقاعد الدراسة الجامعية بعد انقطاع دام 27 سنة، وصرت خريجة في سن جدتي! زاولت رياضة المشي يومياً، استمتعت بركوب الدباب في البر والآن أريد أن أكون تلك المرأة القوية التي تأخذ بالأسباب بعد توكلها على الله لتعيش حياة صحية خالية من الخوف من أمراض القلب التي تبدأ في الانتشار بين النساء بعد انقطاع الطمث، أو من كسور العظام بسبب الهشاشة، أو حتى من رجوع السرطان، والأمر كله لله من قبل ومن بعد.

تابعت حسابات صحية كثيرة في تويتر وكنت أفعل ما يقولونه بالضبط، وكم كنت أحبط حين لا أجد ميزاني يتحرك كما أتوقعه، لتتحول أسابيع من الالتزام الصحي إلى نقمة وانتقام وتعود ريمة لعادتها القديمة من التخبيص والكسل و”التخن”، حتى علمت مؤخرا أن متوسطي السن يختلفون تماما عن الشباب (الذين توجه لهم كل النصائح الغذائية واللياقية).

علمت أنه علي ألا أتوقع كثيراً جداً، وأني إذا ما أفلحت في إنقاص نصف كيلو أسبوعيا مع المحافظة على كتلتي العضلية من الضياع بأداء الرياضة فأنا أستحق ميدالية المثابرة.

علمت أن أغلب الكلام في كل تلك الحسابات لم يكن موجها إلي أنا الأربعينية، وأن لي شأناً آخر مختلف قليلاً.

قررت أن أبحر في الانترنت، كما أبحرت من قبل أيام مرضي لأستخلص كل ما يعينني على خوض هذه المرحلة.. وفي سبيل إلزام النفس بالعمل بالعلم قررت أن أشارك المعلومات غيري ممن يمر بنفس المرحلة العمرية ويواجه ذات لإحباطات حين يبذل كل جهده فلا يرى تحسناً رهيباً في الميزان.

ثم قررت أن أكون أكثر تنظيما فعملت على الحصول على رخصة المدرب الشخصي من مؤسسة أمريكية غير ربحية تعنى بنشر ثقافة التمرين والصحة، فكان اعتمادي من المجلس الأمريكي للتمارين الرياضية، وكانت نقلة نوعية من مجرد كوني (حاطب ليل) يأخذ من كل موقع معلومة، إلى انسانة واعية وضعت قدما راسخة في طريق الثقافة الصحية، وتهتم أكثر ما تهتم بمسألة اتباع نمط حياة صحي، خاصة لمتوسطي السن الذين لا يلقون عناية كبيرة في التغريدات والمنشورات التثقيفية.

في هذه المدونة سأقوم بنشر بعض خواطري فيما يتعلق بالصحة البدنية والنفسية لمرحلة ما بعد الأربعين، كما سأقوم بترجمة مقالات موجهة لنا تهدينا السبيل الأقوم لخوض هذه المرحلة بصحة وعافية.

الإعلان

رأي واحد حول “الحياة بعد الأربعين ..

  1. حنان كتب:

    ما شاء الله لا قوة إلا بالله
    الله يوفقك
    وجدت المدونة في وقتها بعد أن ضعت في البحث عن مصادر عربية أو انجليزية على الانترنت تختص بعمر الأربعين وتجارب التغيير لنمط حياة صحي . للأسف المحتوى فقير لهذه الفئة العمرية .
    بعد مشوار طويل مع القراءة والبحث اتفقت مع أمي على قائمة بالعادات التي سنتخلص منها وقائمة بالعادات التي سنتبناها بالتدريج على أسابيع طبعا لأن الغرض الأول من بحثي هو مساعدة أمي التي تعاني السمنة وضغط الدم المرتفع وتفتقد الدافع – رغم تجربتها لخسارة الوزن بالسابق من 113 إلى 83 وملاحظتها لتحسن صحتها ولياقتها –
    كنت متخوفة من التحدث إليها بشأن البدء بنط صحي تفاديا لأي حساسية لأنها حساسة لكن بعد أن قرأت كثيرا ونظمت أفكاري و الخطوط العريضة وما يجب تغييره وما يجب تعزيزه في أوراق واطلعت أمي عليها اليوم كان الأمر أسهل مما أتوقع وردة فعلها إيجابية فبدأت بالمشي 5 دقائق في الحوش على أن نزيدها بالتدريج .
    وفقك الله أنت ومن يثرون المحتوى العربي بمواضيع مفيدة

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s